سبل الشيطان لإهلاك الإنسان
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الشيطان- منذ أن طرده الله من رحمته ولعنه بسبب رفضه السجود لآدم عليه السلام- دائمًا يتربص ببني آدم بالمرصاد، ويحاول بشتى السُّبل أن يصدهم عن طريق الرحمن ليكونوا معه في نار جهنم، أعاذنا الله منها، ووسائل الشيطان لإضلال بني آدم كثيرة يمكن أن نوجزها فيما يلي:
أولاً: دعوة الإنسان إلى الشرك بالله تعالى:
إن الشيطان يدعو الإنسان في كل مكان وزمان إلى الكفر والشرك بالله تعالى، فإذا نجح في ذلك واستجاب له ابن آدم، استراح منه الشيطان وجعله جندًا من جنوده ثم يتبرأ منه يوم القيامة، قال تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم {إبراهيم: 22}.
عقوبة الشرك بالله تعالى:
إن إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى هو أعظم غايات الشيطان؛ لأنه يعلم أن الله لا يغفر للمشرك إذا مات على شركه، وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم.
قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {النساء: 48}.
ويحرص الشيطان على إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى؛ لأنه يعلم أن الشرك يُحبط جميع الأعمال الصالحة، قال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين {الزمر: 65- 66}.
ثانيًا: إيقاع المسلم في البدعة في الدين:
إذا فشل الشيطان في إيقاع الإنسان في الشرك فإنه يدعوه إلى الابتداع في الدين، ولذا يجب على المسلم أن يعرف الفرق بين السنة والبدعة.
السنة: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. {علم أصول الفقه لخلاف ص36}
وهذه السنة المباركة أمرنا الله تعالى باتباعها وحذرنا من مخالفتها قدر استطاعتنا، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، قال جل شأنه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر:7}.
وقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {النور:63}.
البدعة: طريقة في الدين مُخْترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. {الاعتصام للشاطبي ج1 ص28}
التحذير من الابتداع في الدين:
قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم {المائدة: 3}.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". {البخاري 2697، ومسلم 1718}
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". {مسلم: 867}
روى الترمذي عن العرباض بن سارية رضي الله عنهما قال: وعظنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا، قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبيشًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
{حديث صحيح. صحيح الترمذي للألباني ح2157}
روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رغب عن سنتي فليس مني".
{البخاري 5063، ومسلم 1401}
ثالثًا: تزيين فعل الكبائر:
إذا عجز الشيطان عن إيقاع المسلم في طريق البدع ووجده يسلك سبيل أهل السنة والجماعة، فإنه ينتقل إلى دعوة الإنسان إلى ارتكاب الكبائر باختلاف أنواعها، ويحرص الشيطان على أن يوقع الإنسان المسلم فيها، خاصة إذا كان عالمًا متبوعًا، حتى ينشر ذنوبه ومعاصيه بين الناس، وذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع بعلمه.
{التفسير القيم لابن القيم ص613}
تعريف الكبيرة:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
وقال الحسن البصري: كل موجبة في القرآن كبيرة.
وقال سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو من الكبائر.
وقال الضحاك بن مزاحم: الكبائر كل موجبة، أوجب الله لأهلها النار، وكل عمل يُقام به الحد فهو من الكبائر. {تفسير ابن جرير الطبري ج5 ص41، 42}
التحذير من الكبائر:
قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما {النساء: 31}، قال الذهبي: "تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة".
{الكبائر للذهبي ص1}
وقال سبحانه: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة {النجم:32}.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت البكائر". {مسلم- كتاب الطهارة حديث 16}
رابعًا: إغراقه الإنسان في فعل الصغائر:
إذا يئس الشيطان من إيقاع الإنسان في ارتكاب الكبائر، فإنه يدعوه إلى ارتكاب الصغائر التي إذا اجتمعت على الإنسان ربما أهلكته.
{التفسير القيم ص613}
روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، إياك ومُحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالبًا".
{صحيح ابن ماجه 3421}
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أخطأ، نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" {صحيح الترمذي 2654}
قال ابن حجر العسقلاني: رُوي عن أسد بن موسى، في الزهد، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: "إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات، فيلقى الله وقد أحاطت به، وإن الرجل ليعمل السيئة فلا يزال مشفقًا حتى يلقى الله آمنًا".
قال ابن بطال: المحقرات إذا كثرت صارت كبارًا مع الإصرار. {فتح الباري ج11 ص337}
قال ابن القيم: ولا يزال الشيطان يسهل على الإنسان محقرات الذنوب حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالاً منه. {التفسير القيم ص613}
روى أحمد عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".
{الصحيحة 1-389}
خامسًا: إلهاء الإنسان في الأمور المباحة:
إذا عجز الشيطان أن يوقع الإنسان في صغائر الذنوب، دعاه إلى الاشتغال بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله به.
{التفسير القيم لابن القيم ص613}
سادسًا: الاشتغال بالمفضول عما هو أفضل منه:
إذا عجز الشيطان أن يشغل الإنسان بالأمور المباحة، وكان الإنسان حافظًا لوقته، شحيحًا به، يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها، وما يقابلها من النعيم والعذاب، حاول أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة، ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمر بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقل من ينتبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيًا قويًا ومحركًا إلى نوع من الطاعة، لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان، فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير، فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوِّت بها خيرًا عظيمًا من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل.
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين، خاصتهم وعامتهم، ولا يعرف ذلك إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك، فلا يخطر بقلوبهم، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده. {التفسير القيم ص613، 614}
سابعًا: تسليط الإنس والجن:
إذا عجز الشيطان عن إيقاع الإنسان في واحدة مما سبق، سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع، والتحذير منه، وقصد إخماله وإطفاءه ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر.
فحينئذ يلبس المؤمن لأْمَةَ الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أُسِرَ وأُصِيبَ فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.
{التفسير القيم لابن القيم ص614}
الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الشيطان- منذ أن طرده الله من رحمته ولعنه بسبب رفضه السجود لآدم عليه السلام- دائمًا يتربص ببني آدم بالمرصاد، ويحاول بشتى السُّبل أن يصدهم عن طريق الرحمن ليكونوا معه في نار جهنم، أعاذنا الله منها، ووسائل الشيطان لإضلال بني آدم كثيرة يمكن أن نوجزها فيما يلي:
أولاً: دعوة الإنسان إلى الشرك بالله تعالى:
إن الشيطان يدعو الإنسان في كل مكان وزمان إلى الكفر والشرك بالله تعالى، فإذا نجح في ذلك واستجاب له ابن آدم، استراح منه الشيطان وجعله جندًا من جنوده ثم يتبرأ منه يوم القيامة، قال تعالى: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم {إبراهيم: 22}.
عقوبة الشرك بالله تعالى:
إن إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى هو أعظم غايات الشيطان؛ لأنه يعلم أن الله لا يغفر للمشرك إذا مات على شركه، وهذا واضح في كثير من آيات القرآن الكريم.
قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {النساء: 48}.
ويحرص الشيطان على إيقاع الإنسان في الشرك بالله تعالى؛ لأنه يعلم أن الشرك يُحبط جميع الأعمال الصالحة، قال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين (65) بل الله فاعبد وكن من الشاكرين {الزمر: 65- 66}.
ثانيًا: إيقاع المسلم في البدعة في الدين:
إذا فشل الشيطان في إيقاع الإنسان في الشرك فإنه يدعوه إلى الابتداع في الدين، ولذا يجب على المسلم أن يعرف الفرق بين السنة والبدعة.
السنة: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. {علم أصول الفقه لخلاف ص36}
وهذه السنة المباركة أمرنا الله تعالى باتباعها وحذرنا من مخالفتها قدر استطاعتنا، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، قال جل شأنه: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر:7}.
وقال تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {النور:63}.
البدعة: طريقة في الدين مُخْترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه. {الاعتصام للشاطبي ج1 ص28}
التحذير من الابتداع في الدين:
قال تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم {المائدة: 3}.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". {البخاري 2697، ومسلم 1718}
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". {مسلم: 867}
روى الترمذي عن العرباض بن سارية رضي الله عنهما قال: وعظنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب. فقلنا: يا رسول الله، إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا، قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدًا حبيشًا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
{حديث صحيح. صحيح الترمذي للألباني ح2157}
روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رغب عن سنتي فليس مني".
{البخاري 5063، ومسلم 1401}
ثالثًا: تزيين فعل الكبائر:
إذا عجز الشيطان عن إيقاع المسلم في طريق البدع ووجده يسلك سبيل أهل السنة والجماعة، فإنه ينتقل إلى دعوة الإنسان إلى ارتكاب الكبائر باختلاف أنواعها، ويحرص الشيطان على أن يوقع الإنسان المسلم فيها، خاصة إذا كان عالمًا متبوعًا، حتى ينشر ذنوبه ومعاصيه بين الناس، وذلك لينفر الناس عنه وعن الانتفاع بعلمه.
{التفسير القيم لابن القيم ص613}
تعريف الكبيرة:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
وقال الحسن البصري: كل موجبة في القرآن كبيرة.
وقال سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو من الكبائر.
وقال الضحاك بن مزاحم: الكبائر كل موجبة، أوجب الله لأهلها النار، وكل عمل يُقام به الحد فهو من الكبائر. {تفسير ابن جرير الطبري ج5 ص41، 42}
التحذير من الكبائر:
قال تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما {النساء: 31}، قال الذهبي: "تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة".
{الكبائر للذهبي ص1}
وقال سبحانه: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة {النجم:32}.
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت البكائر". {مسلم- كتاب الطهارة حديث 16}
رابعًا: إغراقه الإنسان في فعل الصغائر:
إذا يئس الشيطان من إيقاع الإنسان في ارتكاب الكبائر، فإنه يدعوه إلى ارتكاب الصغائر التي إذا اجتمعت على الإنسان ربما أهلكته.
{التفسير القيم ص613}
روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، إياك ومُحقرات الأعمال، فإن لها من الله طالبًا".
{صحيح ابن ماجه 3421}
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أخطأ، نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا نزع واستغفر وتاب صُقِل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" {صحيح الترمذي 2654}
قال ابن حجر العسقلاني: رُوي عن أسد بن موسى، في الزهد، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: "إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات، فيلقى الله وقد أحاطت به، وإن الرجل ليعمل السيئة فلا يزال مشفقًا حتى يلقى الله آمنًا".
قال ابن بطال: المحقرات إذا كثرت صارت كبارًا مع الإصرار. {فتح الباري ج11 ص337}
قال ابن القيم: ولا يزال الشيطان يسهل على الإنسان محقرات الذنوب حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالاً منه. {التفسير القيم ص613}
روى أحمد عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه".
{الصحيحة 1-389}
خامسًا: إلهاء الإنسان في الأمور المباحة:
إذا عجز الشيطان أن يوقع الإنسان في صغائر الذنوب، دعاه إلى الاشتغال بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله به.
{التفسير القيم لابن القيم ص613}
سادسًا: الاشتغال بالمفضول عما هو أفضل منه:
إذا عجز الشيطان أن يشغل الإنسان بالأمور المباحة، وكان الإنسان حافظًا لوقته، شحيحًا به، يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها، وما يقابلها من النعيم والعذاب، حاول أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة، ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمر بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقل من ينتبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيًا قويًا ومحركًا إلى نوع من الطاعة، لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان، فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير، فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين بابًا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوِّت بها خيرًا عظيمًا من تلك السبعين بابًا وأجل وأفضل.
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين، خاصتهم وعامتهم، ولا يعرف ذلك إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك، فلا يخطر بقلوبهم، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده. {التفسير القيم ص613، 614}
سابعًا: تسليط الإنس والجن:
إذا عجز الشيطان عن إيقاع الإنسان في واحدة مما سبق، سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع، والتحذير منه، وقصد إخماله وإطفاءه ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر.
فحينئذ يلبس المؤمن لأْمَةَ الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أُسِرَ وأُصِيبَ فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.
{التفسير القيم لابن القيم ص614}